تعودت في يناير من كل عام مراجعة أحداث العام الماضي، ويساعدنى على ذلك عادة كتابة يومياتي بصورة منتظمة، مستلهمه عنوان عمود كاتبنا الكبير احسان عبد القدوس "أمس واليوم وغدًا"، وقد تكون محاولة بائسة للإمساك باللحظة، وإدراك وفهم اختيارات عشتها وبعضها مازلت أعيشه وبعضها تركته وذلك ليس حنين للماضي فلست من محبي الحنين لزمن مضى حتى لو كان جميل، فكل زمن به جمال وقبح.
فلماذا أكتب يومياتي؟
لم أفكر في هذا الأمر من قبل ربما لرؤية صورتي بشكل أكثر وضوح ونقاء، فأشاهد بخيالي سلسلة من أحداث حياتي، لعلي أقارن بين ما أريده اليوم وما كنت أريده وقتها، وما كنت أشعر به ومشاعري الآن، فاليوم ما هو إلا وليد لأمس وأول أمس وربما منذ مولدي، وكل هذه السنوات تشكل الكثير من أحداث اليوم وغدًا أيضًا، وهذا ما نطلق عليه أسماء كثيرة منها شخصيتي أو أسلوب حياتي أو طباعي، أو كما يحلو لك، سميها ما شئت، فهو مجرد وصف لما كنت عليه أمس، وأتمنى ألا أكون عليه اليوم وغدًا، فالثبات شيء ممل يساوي تمامًا الموت بالحياة.
فلماذا إذًا أكتب وأعيد قراءة ما كتبته؟
ربما لأثبت لنفسي أني أتغير، أو مجرد فضول لمعرفة كيف كنت، وما هو الجزء الذي حرصت على تدوينه، فهو بعض منى سجلته في دفتري ليتحدى النسيان، فأراه كما حدث وليس بقايا علقت في ذاكرتي بلا تفاصيل أو ملامح، فأرى ما لم أكن أراه، وأعيد ترتيب أوراقي بشكل أفضل.
وربما هي طبيعة الروائية بداخلي تدفعني لتوثيق ما يمر بي لعلى أعيد بناءه بشكل أخر في رواية أو قصة، فالأحداث التي نعيشها حية بداخلنا تريد أن تفصح عن نفسها، ولكن الأحداث المتجددة تلتهمها وتلتهمنا معها فتنزوي في بقعة مظلمة، ولا نستدعيها إلا عند ظهور شيء يشبها، أو حدوث موقف مكمل لها، فتخرج للنور طوعًا أو كرهًا حسب ما نشعر به اتجاه الأحداث نفسها، ويمكن أن تسمية دفتر أحوال، فهو مختصر في العادة لا يزيد عن صفحة.
ماذا أدون فيه؟
أمور كثيرة أهمها ما فعلته خلال اليوم، وعلاقتي بنفسي وبمن حولي، وكيف أرى الظروف والمشكلات والأحدث المفرحة والمحزنة والعادية، وأحيانا أدون شعوري بالوقت الساعات والدقائق، كما أدون الحظة كيف أعيشها فهي الجزء الذي أملكه من عمري فقط، لأن ما مضى تسرب من يدي وذهب، والقادم قد لا يأتي أو لعله يأتي بخيره أو شره لا أحد يمكن أن يجزم به، فهو في كل الأحوال مجهول، مجرد تصور ناقص يعيش في جزء من خيالي، ينتظر دوره في الحضور ليكون واقع أعيشه الآن.
هل عرفت الآن لماذا أحرص على قراءة يومياتي كل عام؟
أنا لا أعرف على وجهة الدقة ربما نحن نتصرف بطريقة ألية ولا نفكر لماذا نفعل أمور كثيرة لعل هذه من بينه،أو ربما لأني ببساطة أحب الكتابة ولا شيء أكثر من ممارسة هوايتي المفضلة بشكل شخصي، ولكنها على كل حال عادة جميلة ومفيدة، تجعلني أقضى وقت سعيد برؤية سطور عن حياتي، أرى تاريخي مدون على ورق فأفهم نفسي بصورة أفضل لعلني أتفادى أخطاء وقت فيها وأنمي خصال جميلة تشعرني أكثر بالراحة والسعادة.